أدب

أحمد الفاضل يكتب …رباعيات الخيام سيرة ذاتية

رباعيات الخيام سيرة ذاتية

أحمد الفاضل

لا تفرّط الأمم في ذخيرتها من الإبداع الفني والمعرفي، هي هويتها الضمنية، وان طال الأمد.ورحلة الابداع، رحلة شاقة محفوفة بالمتاعب.
كيف لا؟ وهي الرحلة التي تحافظ على مسيرة الجوهر الإنساني الجميل!
يظل الابداع يقتفي أثر المتعة برعاية الألم، المتعة التي لا يمكن للإنسان أن يتنازل عنها.
ويبقى طاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها.
هذا النص الذي أكتب عنه، عمره قارب 1000 عام
ومر بالكثيروالمثير، اشخاص وازمنه واماكن واقدار، سفر لم ينتهِ الى هذه اللحظة.

تمثل شخصية بطل القصة، عمر الخيام، شخصية المواطن العالمي الباحثة عن التسامح الكوني من خلال الفردية الإنسانية. مواطن لا يتقيد ببلد و لا يستقر في وطن كما كان حال القصيدة.
مكابداً للمعرفة وجحيم البحث والمجاهدة في سبيل اليقين.
راصداً علم الفلك، ذلك العلم الذي يعنيه في وعيه ولاوعيه المطلق، والعالم الحر بلا حدود.
عالماُ في احوال الرياضيات، كمن يبرر المنطق لنفسه قبل كل تجلي وبعد كل تخلي..
شاعراً، ولكم قصة شِعره.

تقول حكاية القصيدة:
يطلب قاضي قضاة سمرقند من ورّاق يهودي صناعة كتاب فاخر اوراقه بملمس الحرير يضمها جلد خشن، صفحاته بيضاء كأيام الخيام.

تمر السنوات دون ان يخط فيه حرفاً، حتى لا يكون دليل ادانة عليه، بعد ان جيء به مكبلاً إلى للقاضي بتهمة الاشتغال بالكيمياء.
يخشى ويكتب حيناً، وحيناً يخشى ما كتب، يدفن الكتاب قبل نومه، وكل صباح للكتاب حياة جديدة.

تبدأ الحرب، فيُحار عمر، فهو الهارب من كل شيء لكل شيء!

يصرف له الوزير نظام الملك ما يكفيه لسنة كاملة ويفرغه للمرصد وابحاث علوم الفلك، التي ستكون لاحقاً هي التقويم السنوي لبلاد فارس،

يعيش في رغد مع حبيبته جهان ويقضي الايام منكباً على العلوم سارحاً بين النجوم!

لم يكن لعمر سر في حياته الا كتابه الآثير، تمر ايام عمر ويسقي الصفحات روحاً وحبراً.

يُفجع في موت الوزير المغدور، المقتول بأمر من صاحبهما حسن الصبّاح الذي سيكون لاحقاً مؤسس اخطر حركة سرية في العالم!

يطلب الصباح في رسالة من عمر ان ينتقل الى قلعة (ألَموت) في فارس، بعد ان اصبحت وكره الشاهق الذي يدبر منه اشهر الاغتيالات السياسية في تاريخنا، يمتنع عمر عن الانتقال، ويفتت الرسالة وينثرها في الهواء!
يستيقظ اليوم الثاني ويجد حارسه مقتولاً غارقاً في دمه، يبكيه كما بكى الوزير، والشمس تزحف في الافق، تلوح في خاطره (رباعية) يريد ان يكتبها..
يجن جنونه لم يعثر على الكتاب!

كان الكتاب بمعية القاتل، في طريقه الى قلعة النسر بطلب من الصبّاح، الكتاب الذي اخفاه عمر عن الصبّاح في لقائهم الاول حين قاسمه النُزل قبل عشر اعوام. محاولة لإغراء الخيّام بتعقّب رباعيّاته إلى حيث وصلت، عنده!

يصل الكتاب ويندهش الصباح من ما فيه!
ويحفظه في حفرة في الجدار محروساً بشبكة من المعدن.
يموت الصبّاح وتمر ثلاثة اجيال في القلعة دون ان يملكوا الجرأة على الاقتراب من “السر”

ولابد للقيد يوماً ان ينكسر، يقرأه ابن حفيد الصباح ويصفه ككتاب عظيم من كتب الحكمة وتعتمده الطائفة.

تنتهي قلعة ألَموت، هولاكو احرق القلعة بكتبها،
هناك من هرب!

بعد ٨ قرون
يأتي الشاعر الانجليزي فيتزجرالد عام 1859، صاحب الروح التأثرية، الروح التي املت عليه بأن يتقمص حالة الخيام، ترجم الرباعيات ليس لغرض ترجمتها ولكن لكي يتمثل شاعرية الخيام ومن ثم يبدع رائعته هو.

تطلب ام كلثوم من رياض السنباطي ان يلحنها، فيصوغ لحناً سرمدياً على مقام الرست محفوفاً بالحجاز، والحقيقة أن السنباطى لم يستخدم سلم الراست كما هو… وإنما لف ودار حول المقام، والراس المقام الرئيسي في الموسيقى الشرقية، ويعتبر أكثرها وضوحا في الشخصية، والمعبر عنها، من المقامات المفضلة لتلاوة الأذان لما فيه من وقار، وجدية.

الابداع ينتصر دوماً، هو الحالة التي تنحو لإيجاد أفكار متفردة، بحيث تشكل إضافة حقيقية لمجموع النتاج الإنساني. وهذا ماحدث تماماً مع “الرباعيات”

تحياتي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى