اسلاميات

سيرة صحابيات الرسول صلي الله عليه وسلم

 – قيلة بنت مخرمة التميمية

قَيْلة بنت مَخْرمَة التميمية: ثم من بني العنبر، ومنهم من نسبها غَنَوِية، فصحَّف. هاجرت إلى النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مع حُرَيْث بن حسَّان وافد بني بكر بن وائل. روَى حديثَها عبد الله بن حسَّان العنبري عن جدَّتيه: صفيَّة ودُحَيْبَة ابنتي عُلَيْبة، وكانتا ربيبتي قَيْلة، وكانت قيلة جدَّة أبيها ـــ أنها قالت: قدمتُ على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم… الحديث بطوله، أخرجه الطَّبراني مطوّلًا.
وأخرج البُخَارِيُّ في “الأدَبِ المُفْرَدِ” طَرَفًا منه، وأبو داود طرفًا منه أيضًا، والتَّرمذيّ من أول المرفوع إلى قوله: يتعاونان؛ قال: فذكر الحديث بطوله، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسَّان.
قال أَبُو عُمَرَ: هو حديث طويل فصيح حسن، وقد شرحه أهْلُ العلم بالغريب.
وقال أَبُو عَليٍّ بْنُ السَّكَنِ. رُوِي عنها حديث طويل فيه كلام فصيح، وساقه من طريق عن عبد الله بن حسان مختصرًا، وقال: لم يرَوْهِ غير عبد الله بن حسان، وقال فيه: أنَّ أم قيلة صفية بنت صيفي أخت أكثم بن صيفي.
قلت: ساقه الطَّبَرَانِيُّ وابْنُ مَنْدَه بطوله، وهذا لفْظ ابْنِ مَنْدَه مِنْ طرق ثلاثة، عن عبد الله بن حسَّان بهذا السند ـــ أنها أخبرتهما أنها كانت تحت حبِيب بن أزهر، أحد بني جَنَاب، فولدت النّساء ثم تُوفي فانتزع بناتها منها ثوب بن أزهر، وهو عمَّهنّ، فخرجت تَبْتَغِي الصّحبةَ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في أول الإسلام، أي إسلام قوْمِها، فبكت جُويرية منهن هي أصغرهنَّ حُدَيباء كانت قد أخذتها الفرصة، عليها مِسح من صوف، فاحتملتها معها، فبينما هما تُرْتكان الجمل إذا انتفجت الأرنبُ، فقالت الحُدَيباء: الفَصْية، لا، والله لا يزال كعْبُك أعلى من كعب أثْوب في هذا الحديث أبدًا، ثم لم لما سنح الثعلب سمَّتْهُ اسمًا غير الثعلب، فقالت فيه ما قالت في الأرنب، فبينما هما تُرْتِكان الجمل إذ برك وأخذته رعدة، فقالت الحديباء: أدركتك والأمانة أخذة أثوب. قال: فقلت، واضطررت إليها: ويحك! فما أصنع؟ قالت: قَلِّبي ثيابك ظهورها لبطونها، وتدحرَجي ظهرك لبطنك، وقلبي أحلاس جملِك، ثم جعلت سُبَّيْجَها فقلبتها، ثم تدحرجت ظهرها لبطنها، ففعلت ما أمرتني به، فانتقض الجمل، فقام فناخ وبال، فقالت: أعِيدي عليه أذانك، ففعلت ثم خبا يرتد، فإذا أثوب يسعى على آثارنا بالسيف صَلْتًا، فوألْنَا إلى حِوَاء ضخْم فَداره حيث ألقي الجمل إلى رواق البيت الأوسط، وكان جملًا ذلولًا، ثم اقتحم داخله، فأدْركني أثوب بالسَّيف، فأصابت ظُبَتُه طائفة من فرويته، فقال: ألقي إليّ ابنةَ أخي يا دَفَار، فرمت بها إليه فجعلها على منكبه، فذهب بها، فكنْت أعلم به من أهل البيت.
فمضيت إلى أختٍ لي ناكح في بني شيبان أبتغي الصَّحابة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فبينا أنا عندها ذات ليلة من الليالي تحسب أني نائمة إذ جاء زَوْجُها من السامر، فقال: وأبيك لقد وجدتْ لقَيْلة صاحب صدْقٍ. فقالت أختي: مَنْ هو؟ فقال: هو حريث بن حسان الشَّيباني وافد بكر بن وائل. فقالت أختي: الويل لي، لا تخبر بهذا أختي، فتذهب مع أخي بكر بن وائل بين سَمْع الأرض وبصرها ليس معها مِنْ قومها رجل. قال: لا ذكرته لها. قالت: وأنا غَيْرُ ذاكرة لهذا.
فغدَوْت وشددتُ على جملٍ وسمعتُ قائلًا يقول، فنشدت عنه، فوجدته غَيْرَ بعيد، وسألته الصحبة، فقال: نعم وكرامة، وركابُه مناخة عنده.
فخرجنا معه صاحب صدْقٍ حتى قدمنا على رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وهو يُصلّي بالنَّاس صلاةَ الغداة قد أُقيمت حين شقّ الفجر والنّجوم شابكة في السَّماء، والرجل لا تكاد تعارف مع ظلمة الليل، فصففت مع الرجال وأنا امرأةٌ حديثه عَهدٍ بالجاهليَّة، فقال لي الرَّجل الذي يَليني من الصَّف: امرأة أنتِ أم رجل؟ فقلت: لا، بل امرأة، فقال: إنك كدتِ تفتنيني فصَلّي وراءك في النّساء؛ فإذا صفٌّ من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيتُه حيث دخلت، فكنْتُ معهن.
فلما طلعت الشَّمس دنوت، فكنت إذا رأيتُ رجلًا ذا رُواءِ وذا قِشْر طمح إليه بصري لأرى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فوق النَّاس، [[فلما]] ارتفعت الشَّمسُ جاء رجل، فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: “وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحَمَةُ اللهِ”، وعليه أسمال مُلَيَّتَيْنِ قد كانتا مُزَعْفَرتين، وقد نقضتا، وبيده عسِيب نخلة قفر غير خوصتين من أعلاه وهو قاعد القرْفصاء؛ فلما رأيت رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفَرَق، فقال لي جليسه: يا رسول الله، أرعدت المسكينة، فقال بيده ولم ينظر إليَّ وأنا عند ظهْره: “يَا مِسْكِينَةُ، عَلَيْك السَّكِينَةُ”، فلما قالها أَذْهَب الله ما كان في قلبي من الرّعب، وتقدم صاحبي فبايعه على الإسلام وعلى قوْمه، ثم قال: يا رسول الله، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدَّهناء لا يجاوزها إلينا إلا مسافر أو مجاوز.
فقال: “اكْتُبْ لَهُ يَا غُلَامُ بِالدَّهْنَاءِ”، فلما رأيته قد أمر له بها شُخِص بي، وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله، إنه لم يسألك السَّويَّة من الأرْضِ إذ سألك، إنما هي الدَّهناء مقيد الجمل، ومَرْعَى الغنم، ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك.
فقال: “امْسِكْ يَا غُلَامُ، صَدَقَتِ المِسْكِينَةِ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم يَسَعُهمَا المَاءُ وَالشَّجَرُ، وَيَتَعاونانِ عَلى الفتَّان” ، فلما رأى حريث أنه قد حيل دون كتابه ضرب بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: كنت أنا وأنت كما قال: حَتْفُها ضائن تحمل بأظلافها.
فقلت: أنا والله ما علمت إن كنت لدليلًا في الظلماء، جوادًا أبدى الرجل عفيفًا عن الرفيقة، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لا تلمني أن أسأل حظي إذا سألت حظّك. فقال: وَمَا حَظُّكَ فِي الدَّهْنَاءِ؟ لَا أبَا لَكَ! فقلت: مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك. فقال: لا جرم، إني أشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني لك لا أزال أخًا ما حييت إذا أثنيت على هذا عنده.
فقلت: أما إذ بدأتها فلن أضيعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أيُلامُ أهْلُ وُدٍّ أن يَفْصل الخطة أو ينتظر من وراء الحجزة”؟ قالت: فبكيت، فقلت: والله يا رسول الله، لقد كنت ولد حرام فقاتل معك يوم الربذة، ثم ذهب يمتري من خيبر فأصابته حماها فمات. فقال: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تَكُونِي مسْكِينَة لَجَررْنَاكِ عَلَى وَجْهِكِ، أتَغْلِبُ إحْدَاهُنَّ أنْ تُصَاحِبَ صُوَيْحِبَةً في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، فَإذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَنْ هُوَ أوْلَى بِهِ اسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّ أنْسني مَا أمْضَيْتُ، وَأعِنِّي عَلَى مَا أبْقَيْتُ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ إحْدَاكُنَّ لَتَبْكِي فَتَسْتَعِيذُ إليهِ صُوَيْحِبَة؛ فَيَا عِبَادَ الله، لَا تُعَذِّبُوا إخْوَانَكُمْ”، ثم كتب لها في قطعة أديم أحمر لقيلة والنسوة بنات قيلة بأن: “لَا يَظْلِمن حَقًا، وَلَا يُكْرَهْنَ عَلَى مُنْكَرٍ، وَكُلُّ مُؤمِنٍ مُسْلِمٍ لَهُنَّ نَصِيرٌ حَسَنٌ وَلَا يُسَأنَ”.(*)
(< جـ8/ص 288

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى