ثقافة وفن

. عظماء من التاريخ

. عظماء من التاريخ (١٧)

محمد عطيه

الصحابي الذي لا يعرف الهزيمة

لما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب

إليه: (أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، علي كل ألف :

رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت،

ومسلمة بن مخلد)، ولولا أن

هذه الواقعة ثابتة في كل كتب السيرة لكان من المستحيل تصديقها،

فلا أحد يتصور أن أربعة رجال فقط يقدرون بأربعة آلاف رجل ليس في الإيمان والصدق

والإخلاص فحسب، وإنما في المعارك.

والأغرب من ذلك أن بين هؤلاء الرجال من يفوق صوته الألف رجل، لكننا الآن لم يعد لدينا

رجل بألف أو بمائة أوحتي باثنين بل للأسف أغلب من يحملون هذا اللقب من غير

مستحقيه، وربما لو عاشوا زمن الصحابة لسمعنا عن الرجل بنصف والرجل بثلث! لأن

المواقف وحدها هي التي تكشف معادن الرجال، وتحكم علي قدراتهم وتحدد مدي

صلابتهم وقوة عقيدتهم.

لذلك قمنا في هذا الملف بجمع سيرة الصحابة الذين يقدر الواحد منهم بألف رجل،

فلا تتعجب عندما تجد صحابيا أحبه الله سبحانه وتعالي وأمر رسوله صلي الله عليه وسلم

أن يحبه وربما السر في وصوله إلي هذه المكانة مع كل من سبقت أسماؤهم لقب

«الرجل بألف» هو أنهم قالوا:«بايعنا رسول الله علي ألا نخاف في الله لومة لائم»
القعقاع بن عمرو
ليس رجلا بألف بل إن “صوته” فقط خير من ألف رجل..فلا يهزم جيش بين صفوفه

القعقاع بن عمرو التميمي الصحابي الجليل والفارس الشجاع، فقد قال عنه الخليفة

أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-: “لصوت القعقاع في المعركة خير من ألف رجل”.مؤكدا وشاهدا علي بطولته المتميزة.

ربما لأن استعداداته للحرب تشمل جميع الجوانب الروحية والمادية،

فلم يعتمد فقط علي الإمكانات المادية ولم يكتف في نفس الوقت بقوة الإيمان دون

الأخذ بالأسباب، فهو فارس يستعد لمعركته بقلبه وعقله،

لذلك عندما سأله الرسول_ صلي الله عليه وسلم_ ما أعددت للجهاد؟ قال :”طاعة الله ورسوله والخيل” فرد الرسول:” تلك الغاية”.

حينما أمر أبو بكر الصديق خليفة رسول الله _صلي الله عليه وسلم_ قائد جيوشه خالد

بن الوليد بالتوجه إلي العراق لمواجهة جيوش الفرس،طلب خالد أن يمده بجنود إضافيين

من المسلمين بعد أن استشهد عدد كبير من أفراد جيشه في حرب الردة. فأمده أبو بكر

بالقعقاع بن عمرو التميمي، فقيل له: أتمد رجلا انفض عنه جنوده برجل؟ فقال أبو بكر: “لا يُهزَم جيش فيهم مثل هذا”.

وتواصلت مشاركة القعقاع في مواقع كثيرة أبلي فيها خير البلاء وحقق المكاسب لجيش

المسلمين وفي فتوحات العراق والشام ، وفي معركة “ذات السلاسل” بين المسلمين

بقيادة خالد بن الوليد _سيف الله المسلول رضي الله عنه_ والفرس بقيادة هرمز الذي

نادي بالنزال فمشي إليه خالد بن الوليد واحتضنه خالد فهجم جند فارس يريدون قتل

خالد وتخليص هرمز من قبضته ولكن القعقاع لم يمهلهم فأسرع يدافع بسيفه وصال

وجال في رقابهم، والمسلمون خلفه، فانهزم جند فارس وفروا من أمامهم فطاردهم

المسلمون ثم استدعاه خالد ليقود هجوم المسلمين علي الروم في معارك اليرموك

حيث حقق نصرا كبيرا، وعندما كتب عمر بن الخطاب إلي سعد بن أبي وقاص يسأله:

أي فارس كان أفرس في القادسية؟ كتب إليه: أنني لم أر مثل القعقاع بن عمرو، حمل في يوم ثلاثين حملة يقتل في كل حملة بطلا.

أهم ما ميز القعقاع بن عمرو،

بجانب شجاعته أنه كان شديد الذكاء صاحب عبقرية عسكرية شديدة في إدارة المعارك وظهر ذلك جليا في موقعة القادسية.

للقعقاع بن عمرو مواقف مع رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب من أمامه

بما يحب أو بما يؤثر في نفسه ولما كان حديثه مع القعقاع وهو رجل يحب الجهاد يكلمه

النبي صلى الله عليه وسلم عن الإعداد للجهاد فيقول سيف عن عمرو بن تمام عن أبيه

عن القعقاع بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ما أعددت للجهاد؟ قلت: طاعة الله ورسوله والخيل قال: تلك الغاية .

كيف أثر القعقاع بن عمرو في الآخرين؟
كان للقعقاع أثرًا كبيرا في نفوس الأخرين ففي اليوم الثاني من معركة القادسية أصبح

القوم وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن

عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم

ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية،

وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس.

هذا الموقف جعل الفرس يظنون أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم ونازل

القعقاع (بهمن جاذويه) أول وصوله فقتله، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن

توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا

التوابيت فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، فتحمل عاصم بن عمرو والقعقاع

أخيه، لأخذ رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض ،

فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع لجنبه.

وحمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى

الصباح، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع رضي الله عنه محور المعركة، فلما

جاءت الظهيرة وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى

السرير فلم يجد رستم الذي هرب.

محاسن قيلت في القعقاع بن عمرو

ـ ورد عن أمير المؤمنين أبي بكر الصديق، أنه قال لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل.

ـ وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص:

(أي فارس أيام القادسية كان أفرس؟ وأي رجل كان أرجل؟ وأي راكب كان أثبت؟)

فكتب إليه :(لم أرَ فارسًا مثل القعقاع بن عمرو! حمل في يوم ثلاثين حملة، ويقتل في كل حملة كمِيّاً).

القعقاع والفتوحات الإسلامية في العراق
بعد أن انتهى خالد بن الوليد رضي الله عنه من قتال مسيلمة الكذاب، أتاه كتاب أبي بكر

الصديق رضي الله عنه يأمره بالتوجه إلى العراق، وبعد وصول الرسالة قرأها خالد على

جنده، فرجع أكثر الجيش ولم يبقَ معه إلى القليل، فطلب خالد المدد من أبي بكر فأمده

برجل واحد وهو القعقاع بن عمرو فتعجب الصحابة من ذلك وقالوا لأبي بكر: أتمد رجلاً قد

انفض عنه جنوده برجل واحد؟ فقال لهم «لايهزم جيش فيه القعقاع».

معركة الأبلة أو ذات السلاسل

وهي بداية معارك المسلمين في العراق، سار خالد بن الوليد ومعه المدد الذي أرسله

له أبو بكر الصديق وهو القعقاع بن عمرو، وانضم لهم المثنى بن حارثة الشيباني فكان

مجموع الجيش ثمانية عشر ألف مقاتل، فأرسل خالد رسالة إلى هرمز يدعوه فيها إلى

الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما قدم الكتاب على هرمز جمع جموع جيشهم وخرج

مسرعا بهم إلى كاظمة، وكان هرمز قد اتفق مع بعض جنوده على الغدر بخالد وقتله عند

المبارزة ليكسر شوكة المسلمين، فخرج إليه خالد وهجم على هرمز واحتضنه، وفي تلك

اللحظة خرجت المجموعة الفارسية التي اتفق معهم هرمز وهجموا على خالد وهو

مشتبك مع هرمز وأحاطوا به من كل جانب، فخرج إليهم القعقاع بسرعة كبيرة، وحسن

تقدير، وأزاح هذه الحامية عن خالد بن الوليد، وكان خروج القعقاع إيذانا ببدء القتال بين

الطرفين، ولم يجد المسلمون صعوبة في التغلب على الجيش الفارسي الذي تحطمت

نفسيته بمقتل قائدهم هرمز

فتح الحيرة

كان القعقاع بن عمرو مع الجيش المحارب للحيرة وشهد فتحها، بعدها قرر خالد الخروج

للأنبار وكان فيها حامية فارسية، واستخلف القعقاع بن عمرو على الحيرة، وقد كان

موضع ثقة لخالد بن الوليد فخرج خالد إلى الأنبار وعين التمر وأستطاع فتحهما، ثم توجه إلى دومة الجندل مدد لعياض بن غنم.

معركة الحصيد
وشارك القعقاع بن عمرو التميمي في معركة الحصيد وكان قائد المسلمين في هذه

المعركة وأوقع بالفرس وقتل روزمهر وروزبه قادة الفرس ومن معهم من تغلب وربيعة.

معركة الفراض
مشى خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين وعلى رأسهم القعقاع بن عمرو إلى

الفراض وهي على الحدود بين فارس والروم لقتال من تجمع فيها من الفرس والروم

ونصارى العرب، واستطاع المسلمون الانتصار عليهم وقتل أعداد كبيرة منهم.

. عظماء من التاريخ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى