مقالات وتقارير

عظماء من التاريخ (٢٢)

عظماء من التاريخ (٢٢)

كتب : محمد عطيه

عمرو العاص السهمي القرشي الكناني (592م – 682م)، أبو عبد الله، ابن سيد

بني سهم من قريش العاص بن وائل السهمي، أرسلته قريش قبل إسلامه

إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى

الحبشة فراراً من الكفار وإعادتهم إلى مكة لمحاسبتهم وردهم عن دينهم

الجديد فلم يستجب له النجاشي. وبعد إسلامه فتح مصر بعد أن قهر الروم

وأصبح والياً عليها بعد أن عينه عمر بن الخطاب.

أبرز ما عُرف عن عمرو بن العاص أنه كان أدهى دهاة العرب في عصره، فقد

نقلت عن سعة حيلته وعبقرية تدبيره روايات تشبه الأساطير، حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب لقبه بأرطبون العرب.

نسبه
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن

كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة

بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أمه : سلمى بنت خزيمة بن الحارث بن كلثوم بن حريش بن سواءة بن جوشن

بن عمرو بن عبد الله بن خزيمة بن الحارث بن جلان بن عتيك بن أسلم بن يذكر

بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

وكانت أمه سبية وإخوته من أمه: عروة بن أثاثة العدوي القرشي، وعقبة بن

نافع بن عبد القيس الفهري القرشي.

إسلامه

اعتنق الإسلام في السنة الثامنة للهجرة ، وقدِم إلى المدينة المنورة مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مسلمين بعد مقاتلتهم الإسلام.

عمرو قائداً حربياً

كانت أولى المهام التي أسندت إليه عقب إسلامه، حينما أرسله النبي محمد

صلى الله عليه وسلم. ليفرق جمعا لقضاعة يريدون غزو المدينة المنورة، فسار

عمرو على سرية “ذات السلاسل” في ثلاثمائة مقاتل، ولكن خصومه كانوا أكثر

عددا، فقام النبي محمد بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي

عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيسا على الجميع

فقبل أبو عبيدة، فأنتصر جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وهرب مقاتلو

قضاعة ورفض عمرو أن يتبعه كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا نارا

للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك النبي محمد حين سأله أنه قال: “كرهت

أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم “، فحمد النبي محمد حسن تدبيره.

 

بعد وفاة النبي محمد وفي خلافة أبي بكر، قام بتوليته إمارة واحد من الجيوش

الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لغزوها، فانطلق عمرو بن العاص إلى

فلسطين على رأس ثلاثة آلاف مقاتل، ثم وصله مدد آخر فأصبح عدد جيشه

سبعة آلاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك

عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء

على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معا على أن يتولى كل قائد قيادة

الجيش يوما من أيام المعركة، وبالفعل تمكنت جيوش المسلمين من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص

وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام. انتقل بعد ذلك عمرو بن

العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس

ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح.

كان عمر بن الخطاب إذا ذكر أمامه حصار بيت المقدس وما أبدى فيه عمرو بن العاص من براعة يقول: لقد رمينا “أرطبون الروم” “بأرطبون العرب”.

ولاية مصر

جامع عمرو بن العاص
خلال خلافة عمر بن الخطاب ولاه قيادة جيوش في فلسطين والأردن بعد موت

يزيد بن أبي سفيان واثناء وجود عمر بن الخطاب بالقدس ليتسلم مفاتيحها

استغل هذه الفرصة عمرو وطلب من عمر فتح مصر وقال له إن فتحتها فستكون

قوة وعون للمسلمين ولكى تؤمن حدود الشام من هجمات الرومان ثم وافق

عمر وولاه قيادة الجيش الذاهب لغزو مصر ففتحها. وأمره عثمان بن عفان عليها

لفترة ثم عزله عنها وولى عبد الله بن أبي السرح،ثم عاد بعدها عمرو إلى المدينة المنورة.

دوره في معركة صفين

بعد أن قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سار عمرو بن العاص إلى معاوية بن

أبي سفيان رضي الله عنه وشهد معه معركة صفين ولما اشتدت الحرب على

معاوية بحسب بعض المؤرخين أشار عليه عمرو بن العاص بما عرف عليه من

دهاء بطلب التحكيم ورفعت المصاحف طلبا للهدنة. ولما رضي علي بن أبي

طالب بالتحكيم، وصار عمرو بن العاص حكما عن معاوية بن أبى سفيان بينما

كان أبو موسى الأشعري حكما عن علي بن أبي طالب. اتفق الحكمان أن

يجتمع من بقي حيا من العشرة المبشرين بالجنة ويقرروا مصير قتلة عثمان]،

ولم يكن قد بقي منهم إلا سعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب وسعيد بن

زيد. ثم إن معاوية أرسله على جيش إلى مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر ثم

ولاه معاوية على مصر.

يرى مؤرخين أخرين أن هذه الرواية ليست صحيحة وليس لها أصل تاريخي، قال أبو بكر بن العربي في العواصم من القواصم بتحقيق محب الدين الخطيب: وهو يتلكم عن مسألة التحكيم ورفع المصاحف: عاصمة: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع

ويقول بعض المؤرخين الأكاديميين “لم يرد إلينا عن قضية التحكيم إلا روايات ضعيفة جداً مع أنها تعتبر من أخطر الموضوعات في تاريخ الخلافة الراشدة، وقد تاه فيها كثير من الكتاب، وتخبط فيها آخرون وسطروها في كتبهم ومؤلفاتهم،

وكأنها حقيقة من أكبر حقائق التاريخ، وقد تلقاها بعض الناس منهم بالقبول دون تمحيص لها وكأنها صحيحة لا مرية فيها؛ وقد يكون لصياغتها القصصية المثيرة وما زعم فيها من خداع ومكر أثر في اهتمام الناس بها وعناية المؤرخين بتدوينها، وليعلم أن كلامنا هذا ينصب على التفصيلات لا على أصل التحكيم ؛ حيث إن أصله حق لا شك فيه”.

وفاته

توفي ليلة عيد الفطر سنة 43 هـ في مصر وله من العمر ثمانية وثمانون سنة ودفن قرب المقطم. ونقل الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن وفاته: «لما احتضر عمرو بن العاص قال: ” كيلوا مالي “، فكالوه فوجدوه إثنين وخمسين مدا، فقال: ” من يأخذه بما فيه يا ليته كان بعرا ]، ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ” ما ترون هذا يغني عني شيئا “.»

عمرو بن العاص أنه بكى طويلاً عند احتضاره، فجعل ابنُه يقول: «يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟» قال: فأقبل بوجهه فقال: «إن أفضل ما نُعِد شهادة أن لا إله

إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثٍ: لقد رأيتني وما أحدٌ أشدّ بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مُت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: “ما لك يا عمرو؟” قال: قلت:

أردتُ أن أشترط. قال: “تشترط بماذا؟” قلت: أن يُغْفَر لي. قال: “أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله”. وما كان أحد أحبّ إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأَ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطَقْتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مُت على تلك الحال لرجوت أن أكون من

أهل الجنة، ثم وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُت فلا تَصْحَبْني

نائحةٌ، ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويُقسم لَحْمُها حتى أسْتَأْنِسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع رسلَ ربي». عمرو بن العاص
«قال عمرو بن العاص عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به الموت ذكره ابنه بقوله وقال: صفه. قال: ” يا بني الموت أجل من أن

يوصف ولكني سأصف لك أجدني كأن جبال رضوى على عنقي وكأن في جوفي الشوك وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة “. وقال: حين احتضر: ” اللهم إنك أمرت بأمور ونهيت عن أمور تركنا كثيرا مما أمرت ورتعنا في كثير مما نهيت اللهم لا إله إلا أنت ” ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى فاض، جزع عمرو بن

العاص عند الموت جزعا شديدا فقال ابنه عبد الله: ما هذا الجزع وقد كان محمد يدنيك ويستعملك؟ قال: ” أي بني قد كان ذلك وسأخبرك، إي والله ما أدري أحبا كان أم تألفا ولكن أشهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد “، فلما جد به وضع يده موضع الأغلال من ذقنه وقال: ” اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك “، فكانت تلك هجيراه حتى مات.

وذكر أبو العباس المبرد أنه لما حضرت الوفاة عمرو دخل عليه ابن عباس فقال: «دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر، فدخل عليه عبد الله بن عمرو فقال

له: ” يا عبد الله، خذ ذلك الصندوق “، فقال: لا حاجة لي فيه، قال: ” إنه مملوء مالا “، قال: لا حاجة لي به، فقال عمرو: ” ليته مملوء بعرا ” قال: فقلت: يا أبا عبد الله، إنك كنت تقول: أشتهي أن أرى عاقلا يموت حتى أسأله كيف يجد

فكيف تجدك؟ قال: ” أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينهما، وأراني كأنما أتنفس من خرم إبرة “، ثم قال: ” اللهم خذ مني حتى ترضى “. ثم رفع

يديه فقال: ” اللهم أمرت فعصينا، ونهيت فركبنا فلا بريء فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكن لا إله إلا الله ” ثلاثا، ثم فاظ.

من كلامه

الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.
مرَّ على بغل ميِّت، فقال لبعض أصحابه: لأنْ يأكل الرَّجل من هذا حتَّى يملأ بطنه، خيرٌ له من أنْ يأكل لحم رجل مسلم.

ما استودعت رجلا سرا فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدرا حين استودعته.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرًا في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد، فقال لهم عمرو: لا يوقدنَّ أحد نارًا، فلما قدم شكوه فقال: يا نبي الله، كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدو قلَّتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين.. فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لا أملُّ ثوبي ما وسعني، ولا أملُّ زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أملُّ دابتي ما حملتني، إنَّ الملال من سيئ الأخلاق.
قيل لعمرو بن العاص: ما المروءة؟ قال: يصلح الرجل ماله، ويحسن إلى إخوانه.
قال عمرو لابنه: ما الرفق؟ قال: أن تكون ذا أناة فتلاين الولاة؟ قال عمرو: فما الخرق؟ قال عمرو: معاداة إمامك، ومناوأة من يقدر على ضررك.

قال عمرو : كل آية في القرآن درجة في الجنة، ومصباح في بيوتكم.. وقال: من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه.
كلما كثر الأخلاء، كثر الغرماء يوم القيامة، ومن لم يواسِ إخوانه بكل ما يقدر عليه، نقصوا من محبته بقدر ما نقص من مواساتهم.
إمام غشوم، خير من فتنة تدوم.

ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وإنما ذلك المنصف.. وإنما الواصل: الذي يصل من قطعه، ويعطف على من جفاه.. وليس الحليم الذي يحلم عن قومه ما حلموا عنه، فإذا جهلوا عليه جاهلهم، وإنما ذلك المنصف.. وإنما الحليم الذي يحلم إذا حلموا، فإذا جهلوا عليه حلمَ عنهم.

قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كان أبي كثيرًا ما يقول: إني لأعجب من الرجل الذي ينزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، فكيف لا يصفه.. قال: ثم نزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، فقلت: يا أبتِ قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، كيف لا يصفه.. فقال: يا بني، الموت

أعظم من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئًا، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، ولكأن روحي تخرج من ثقب إبرة، ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض، وأنا بينهما

ضريح عمرو بن العاص

يقع بقرافة المقطم [16]، في مدخل مسجد سيدى عقبة بن عامر الجهني

على يمين الداخل وللقبر شاهد مقلوب والضريح متواضع وملون باللون الأخضر

وداخل المسجد قبر عقبة بن عامر نفسه.

 
عظماء من التاريخ (٢٢)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى