محلية

حكاية الليلة الأخيرة لضحية "جريمة السحور" في الحي الراقي

حكاية الليلة الأخيرة لضحية “جريمة السحور” في الحي الراقي
كتبت مرثا عزيز وكالات الأنباء العربية

4 أيام فقط مكثها الخفير الخمسيني بموقع حراسة معدات ومواد إصلاح كوبري

الدقي، نُقل بعدها إلى موقع ثانٍ لكن الأمر لم يدم طويلا، تم استدعاؤه مرة

أخرى دون أن يدري بأنها ستكون الأخيرة.

على مدى سنوات عمل كمال جاد الحق، كخفير خصوصي بشركة المقاولون

العرب متنقلاً بين المواقع بمختلف المحافظات تتخللها إجازات قصيرة يقضيها

رفقة أسرته بمسقط رأسه في قرية منية طوخ بمركز السنطة في محافظة الغربية.

لم يعبأ الرجل العجوز بتقدمه في العمر، حبه للعمل لم ينقص، تفانيه في العمل

ببذل الجهد والعرق غير عابئ ببلوغه 58 سنة، يرى فيه زملاؤه الرجل الطيب من “الزمن الجميل”.

طوال فترة أعمال صيانة كوبري الدقي بتغيير طبقة “الإيبوكس”، أقامت شركة

المقاولون العرب “كرفان” أسفل جسم الكوبري محاط بالصاج، وتعيين حراسة

مشددة على مدار الأربع وشعرين ساعة لحماية المواد والمعدات من السرقة.

مطلع شهر مايو الجاري انتظم “عم كمال” في عمله بموقع كوبري الدقي،

حظي خلالها بحب وحترام الجميع لاسيما تمتع بدماثة الخلق ووجهه البشوش

إذ لا تفارق الابتسامة وجنتيه إلا أنه لم يستمر سوى 4 أيام، وتم نقله إلى موقع آخر.
مساء السبت الماضي تلقى صاحب الـ58 سنة تعليمات بالتوجه في الصباح الباكر إلى موقع كوبري الدقي تارة أخرى بسبب حصول زميله هناك على إجازة لظرف طارئ، فرحب “عم كمال” دون امتعاض.

يوم عمل شاق قضاه الخفير الخمسيني في سابع أيام شهر رمضان، أشعة

الشمس الحارقة المصطحوبة بارتفاع في درجة الحرارة أصابت جميع العاملين

في الموقع بالتعب في انتظار الحصول على قسط من الراحة في المساء.

الثالثة فجر الأحد الماضي خلد “عم كمال” إلى النوم، أملا في الاستيقاظ مبكرا

إذ ينتظره يوم عمل جديد، أغمض العجوز عينيه دون أن يدري بأنها ليلته الأخيرة ولن ير شروق الشمس للأبد.

“الصلاة خيرمن النوم الصلاة خير من النوم” ينادي المؤذن معلنا بدء يوم جديد

في الشهر الكريم، يستعد المقدم هاني الحسيني رئيس مباحث الدقي

لمغادرة مكتبه إلا أن ثمة جديد طرأ على خطته، تلقى إشارة من شرطة النجدة بالعثور على جثة شخص أسفل كوبري الدقي.

أيقن رئيس المباحث أن يومه الطويل لم ينته بعد، انطلق إلىمحلالبلاغ، عُثر على

جثة شخص خمسيني داخل “كرفان” أسفل الكوبري، يرتدي كامل ملابسه مع

وجود طعنات بالرقبة وأسفل الذقن وأوضح عامل الجراج الملاصق لمسرح الجريمة: “ده عم كمال الخفير لسه أول يوم هنا”.

لم تمر كلمات العامل مرور الكرام التقطتها مسامع رجال الشرطة تزامنا مع وصول فريق من النيابة العامة والمعمل الجنائي لمعاينة الجثة.

مع شروق شمس اليوم الجديد شكل اللواء رضا العمدة مدير مباحث الجيزة

فريق بحث رفيع المستوى يترأسه نائبه اللواء محمد عبد التواب واللواء مدحت

فارس مدير المباحث الجنائية وبمشاركة العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال والعقيد عمرو البرعي مفتش فرقة الوسط.

لم يكد يصل الرائد حسام العباسي معاون مباحث الدقي مكتبه حتى تلقى

اتصالا من أحد القيادات الأمنية يطالبه بسرعة التوجه إلى مسرح الجريمة،

إذ عمد منذ وصوله إلى معاينةالموقع بدقة شديدة ومراجعة كاميرات المراقبة

المطلة على موقع الحادث أملا في الإمساك بطرف خيط حل “الجريمة اللغز”

لكن دون جدوى، الصورة غير واضحة فضلا عن اختلاف زاوية الرؤية بعيدا عن “الكرفان” محل الواقعة.

بالعودة إلى ديوان القسم المطل على فندق شهير بميدان الجلاء، تحول الطابق العلوي الذي يضم وحدة المباحث إلى غرفة عمليات يضع اللواء “عبد التواب” خطة البحث من خلال مجموعات عمل يشرف عليها العميد عمرو طلعت، تختص كل منها بتنفيذ الجزء المحدد لها سلفا مع التشديد على أهمية عنصر الوقت.

هناك على بعد أمتار من كوبري الدقي، لم يغادر الرائد حسام العباسي مسرح الجريمة بعد، يتجول بين المحال الجارية موجها أسئلة عدة لأصحابها والعاملين فيها فضلان عن سماع أقوال عمال الجراجات ومحطة الوقود المطلة على مكان الواقعة لجمع أكبر قدر من المعلومات الأمر الذي أثمرت جهوده عن التوصل لشاهد رؤية أفاد بقوله “كان في واحد تحركاته غريبة قبل ساعة من الجريمة”.
3 أيام من العمل المتواصل لم يذق خلالها رجال المباحث طعم الراحة عاقدين

العزم على عدم ترك مكاتبهم إلا بعد فك طلاسم تلك القضية واضعين نصب أعينهم أنه “لا توجد جريمة كاملة”.
رويدا رويدا بدأت الصورة تبدو أكثر وضوحا بدلا من تلك القاتمة، وسط توجيه

ات بتكثيف التحريات وتنشيط مصادر المعلومات السرية التي أشارت إلى أن المشتبه الرئيسي يُدعى “علاء.ه” 33 سنة، وشهرته “علاء ودنه” مسجل خطر سرقات مقيم بمنطقة بولاق الدكرور.

اختلفت الأوضاع داخل قسم شرطة الدقي، إذ انتاب الجميع شعور بالتفاؤل والاطئمنان بأنهم على بعد خطوة من الإمساك بذلك القاتل وتقديمه إلى العدالة، وبات ما ينقصهم هو تحديد “ساعة الصفر”.
أعد العقيد عمرو البرعي خطة لضبط المتهم من خلال تضييق الخناق عليه

ونشر أكمنة في الأماكن التي يتردد عليها، وتمكنت مأمورية قادها المقدم هاني الحسيني ومعاونه الرائد حسام العباسي من ضبط المتهم الذي حاول مراوغة رجال الشرطة والتنصل من جريمته إلا أنه سرعان ما أقر بفعلته لدى مواجهته بالأدلة والتحريات والمشاهدات، وتم اقتياده إلى القسم للتحقيق.

بوجه شاحب ونبرة تكسوها الحزن بدأ “علاء” يروي تفاصيل جريمته مشيرا إلى أنه لدى مروره بالمنطقة اختمرت في ذهنه فكرة التسلل إلى داخل الكرفان وسرقة ما بداخله من أموال “قعدت براقب المكان حوالي ساعة أول مرة كنت

أجي هنا” لافتا إلى أنه دلف إلى الداخل في تمام الثالثة والربع فجرا ووجد الضحية نائما وإلى جواره حافظة نقوده.
يتذكر الشاب الثلاثيني اللحظات التي تلت محاولته سرقة حافظة النقود “مرة واحدة لقيت الخفير صحي وبيقولي انت بتعمل ايه هنا؟” فسدد له 3 طعنات أسفل الذقن ورابعة في الرقبة، واستولى على مبلغ 600 جنيه وفر هاربا، وأرشد عن أداة الجريمة والمبلغ وملابس ملطخة بالدماء كان يرتديها آنذاك.

وسط حراسة أمنية مشددة اصطحبت مأمورية المتهم إلى سرايا النيابة العامة المسائية التي أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات وتحديد موعد إجراء المعاينة

التصويرية للجريمة ليسدل ضباط البحث الجنائي الستار عن تلك القضية بعد 5 أيام من أعمال البحث والتحري كُللت بالنجاح

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى