غير مصنف

بأية حال عدت يا عيد؟!

بأية حال عدت يا عيد؟!
بقلم الأديبة سحر القوافي
____________________

بأية حال عدت يا عيد؟!
اقبل العيد يحمل ٱمالا تضاء وذكريات تنطفىء وتنقضي ..عيد للمسرات والأفراح والأحلام

..وعيد للتعلات والأحزان..هذا يلهو ويمرح ..وذاك يعول ويستصرخ ..هذا حال أمتنا

العربية..لا جديد يذكر ..قديم يعاد كالديار تعفو كشمعة تذوب وتخبو..لم يبق منها غير اسم

أثقل كاهلنا حمله وناءت به أرواحنا في غيابات اليأس والأشجان..فكلما نما غصن كسرته

ريح الجهل والغطرسة والأنانية العفنة التي مالبث رعاتنا ينفثونها كالسم الزعاف في هيكل أمة أفرغ من الحياة..فبأية حال عدت يا عيد؟!

دماؤنا مستباحة في كل مكان..أرواحنا تزهق بالمجان..وخلف كل وجع جبان..ووراء كل صخرة شهيد..وعند كل جدار صغار لم يعرفوا من الطفولة غير الاسم..داهمتهم الخطوب..وحملوا أعباء أسلافهم من الجبناء والحمقى ..وناؤوا بعارنا وذنوبنا وزلاتنا وعجزنا..وما زلنا نحشو رؤوسهم الصغيرة بالخزعبلات والخرافات ..ومازلنا نورثهم جهلنا

وخبالنا وخنوعنا واستكانتنا ونكساتنا..نرضعهم الفخر بمجد تولى دون رجعة وقبر في كتب التاريخ دون فزعة..فصار رميما نلمه بعقولنا المتهالكة كلما أردنا أن نسوق لزيفنا وتهيٱتنا ..كلما رغبنا في تزيين حاضرنا الغارق في قعر التخلف..نتشدق بملء

أفوافهنا..إننا عرب اهل حضارة ومجد وننسى أنه عز غابر مرت عليه العهود وحشرناه في طي النسيان والكتمان بعجزنا المريع وخمولنا الفظيع..وصار الإفك على الصغار هواية غرسناها في مدارسنا وجامعاتنا..

مازلنا كما نحن..نحكم بالوجدان..ونقرأ بالمشاعر..نطرب للناي والمزاهر..مازلنا نبجل من يمدحنا ولو زيفا ونعادي من يهدي لنا عيوبنا صدقا وإخلاصا..ومازلنا نستاء ونتبرم من ولادة الإناث وكأنما لحقنا الخزي والعار..مازالت روحنا الجاهلية تحكمنا ..وما زالت اوهامننا

وتوهماتنا هي كل ما نملك زمام أمره..ونطيل في عمره..حتى تنقضي اعمارنا ونهلك..مازال طموحنا في الحياة لا يتعدى حدود بيت وزوجة ونشوة ولذة..تركنا عظائم

الأمور لصغائرهاومازال الحاكم الأعظم..جلالة السلطان يقدس ويبجل وتنحني له رؤوسنا الفارغة وهاماتنا المتطاولة بخفة وإتقان..

فبأية حال عدت يا عيد؟!
وهذا الوطن العربي ممزق الأشلاء ..وحكامه مبدعون في زرع الرعونة والفتن والشتات..تكبر جراحنا يوما بعد ٱخر ويتعالى صياحنا تحت نيران القهر والاستبداد..والتقتيل والنفي وتكميم الأفواه وتصفيد الأيادي..والعقاب والحشر بين قضبان السجن والزنزانة..
فبأية حال عدت يا عيد؟!

اقبل العيد هذه السنة ومجتمعنا العربي يعيش على هامش الحضارة والتاريخ..غارق في الفقر والوجع والفساد..وأبناؤه يركبون قوارب الموت في رحلة المجهول نحو ضفة الاحلام الموعودة أوربا..يدفعهم القنوط والوجل من غد مجهول ..أو من يوم يعيشونه معتما بلا امل ..

فبأية حال عدت يا عيد؟!
عيد للملذات المباحة والنعم المتاحة..للتكافل والتصالح والتصافح..عيد للتصافي واللهو والاستمتاع..لتطهير الأفئدة من الأمراض و الأوجاع ..للتسامي والرفعة..ولكننا غياب عن فحواه وأغراضه..تكبلنا غطرسة الساسة واستبدادهم..فقد سلبوا منا النخوة والعزة

.وكبلوا أيادينا وارواحنا بأصفاد الوهم والخوف والدجل والذل..وزجوا بنا في زنزانة التفتيش عن كرامة العيش..فأسروا الخواطر..وعبثوا بالمشاعر..وغلفوا أيامنا بصقيع الأسى والقنوط.فلبسنا اكفان الدجى..وأمست عيوننا تخشى النور والضياء..وترعبها

عيون سيدي السلطان..الكاهن الأعظم..جلالته أصدر المراسيم والدساتير والأوامر وقيد اقدارنا وأعمارنا..ارتدى عباءة ملك الموت..وقبرنا في ارماس العار والهوان والعجز والانتحار….وتفننت الزبانيةفي صنع الأصفاد بشتى أنواعها..أصفاد للأيدي..وأخرى

للخواطر..وثالثة للضمائر..وأخرى للعيون والبصائر..وربطتنا إلى مقامع الأهواء والخزعبلات

والخرافات والدجل..فاستسلمنا للفشل والعجز..وبتنا نسبح بمجد غابر ما توارثنا منه إلا

الاسم..ونتشدق بأوهام في منابرنا..بخطب منمقة بنبرة الحماسة والتعالي ..نحن العرب

اهل الحضارة..وليس من حولنا سوى ظل هارب عصفت به رياح التعصب والفتن ..فبات

في مهب الريح..وأمسينا دمى تلهو بنا الشعوب وتضحك من حمقنا وجهلنا ..وترانا بلا

ألباب ..عرايا بلا أثواب.. مشوهة وجوهننا من أثر الخنوع والذل ..
فبأية حال عدت يا عيد.؟ وفلسطين سلبية..والاقصى يستصرخ وإمتاه!! ولا

مجيب..ودماؤنا مستباحة باسم الدين والسياسة ..وكأننا ملاعين منبوذين اتينا كل الخطايا

والفواحش والمنكرات وارتكبنا أفظع الجرائم..فحالنا كحال الجمل الأجرب يعزل عن

القافلة..ولبسنا قشور الحضارة غافلين أننا نبعد عنها بٱلاف من السنين الضوئية..بعيدين

عن كتابة التاريخ بأعصار وأزمان..فبأية حال عدت يا عيد؟!

بصائرنا جاهلية مكبلة منتهية الصلاحية..وأيادينا مربوطة بأصفاد من الأمراض الاجتماعية

نتوارثها جيلا بعد جيل..متفشية في أرواحنا..وأفواهنا مكممة بمقامع الخوف والوجل

والخزعبلات والشعودة والدجل..نخاف الموت وتناسينا أننا نسكن المقابر والحفر

والأرماس..فبات يخيم علينا صمت مريع ..هياكل مفرغة من الحياة..تطاردها لقمة العيش

ووجع البطون الخاوية ..فأصبحنا عبدانا لصغائر الأمور غافلين عن الإباء والعزة

والكرامة..قانعين بالمظاهر الجوفاء ..’نحن عرب اهل حضارة ومجد”..نردد هذه الأغنية

البلهاء..فصرنا اعرابا عميانا خرابا ..نحملق في الفراغ الذي عم أوطاننا وأرواحنا وأفئدتنا

المغمورة برماد العجز والفشل..واخمد في السواد الاعظم منا التطلع للعلياء والرقي

والحرية..
فبأية حال عدت يا عيد؟!
____________________
بقلم الأديبة الجزائرية سحر القوافي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى