غير مصنف

اللواء رضا يعقوب كيف تصنع إيران أدوات مواجهتها مع الولايات المتحدة؟

اللواء رضا يعقوب كيف تصنع إيران أدوات مواجهتها مع الولايات المتحدة؟
متابعة /أيمن بحر
يختنق الشارع الممتد من ساحة تجريش شمالى طهران الى جسر بارك واى بالسيارات فى الساعات التى
تلى موعد الإفطار. لا يشبه المشهد الذى يتكرر فى أكثر من ميدان فى العاصمة الإيرانية حالة التوتر التى تحيط
بالبلاد مع إحتدام المواجهة مع الولايات المتحدة فى أعقاب الإجراءات المتتالية التى تتخذها لتغيير ما تصفه
بالسلوك الإيرانى فى المنطقة.
تزداد سطوة العقوبات تدريجياً مع شمولها كل خطوط الحياة، من النفط الى المبادلات المصرفية، لتلقى بظلالها
على الأدوية الخاصة بأمراض خطيرة كالسرطان وسعر العملة الذى عاد ليتدهور بشكل مضطرد.
هذه الساحات المكتظة بعد الإفطار، هى نفسها التى إمتلأت منتصف إحدى ليالى يوليو/تموز 2015 بالمحتفلين
بإنجاز الاتفاق النووى بين إيران ودول 5+1 التى كانت على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يشبه الوجه المبتسم للرئيس الإيرانى، حسن روحانى، صباح الإعلان عن الإتفاق النووى وجهه المتجهم
صباح الثامن من آيار\ مايو 2019 وهو يعلن خطوات بلاده الجديدة يوم الذكرى السنوية الأولى لخروج واشنطن
من الاتفاق.
ما أعلنه الرئيس الإيرانى كان وقف الإلتزام ببيع الماء الثقيل واليورانيوم المخصب للخارج، وهو نفس ما فرضت
عليه الولايات المتحدة حظراً قبل أيام، فالولايات المتحدة كانت قد أعلنت فى 4 آيار/مايو أنها ستبدأ فرض
عقوبات على الصادرات الإيرانية من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب والتى كان يجيزها الإتفاق النووى لمنع
إرتفاع المخزون الإيرانى منهما عن القدر المسموح وهو 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب و 130 طناً من
الماء الثقيل.
وبالتالى فإن الإعلان الإيرانى فى شقه النووى كان أقرب الى شراء الوقت من خلال خطوات واقعة أصلاً لإلقاء
الحجة على الشركاء الباقين فى الإتفاق للتحرك بإتجاه خلق مسار جديد لضمان إستمرار الإتفاق، ولعل
القرارات الإيرانية كانت بمثابة عامل الترغيب الذى تريده إيران لتحفيز عملية إعادة تفكير أوروبى، مع ذلك حضر
الترهيب الذى تعوّل عليه طهران لصناعة فارق فى المشهد.
رسمت الإدارة الإيرانية الجديدة منذ الثورة عام 1979 خطاً رفيعاً لكنه واضح بين أوروبا والولايات المتحدة
وبريطانيا.
كانت واشنطن فى العنوان الثورى الإيرانى “شيطاناً أكبر” تدعو عليه الجموع بالموت، وكانت بريطانيا لأسباب
تاريخية عضوا فى نادى الشياطين الثورى الإيرانى بالإسم، بينما حافظت دول أوروبا الرئيسية، كفرنسا والمانيا
وإيطاليا والإتحاد الأوروبى عموماً، على موقع لا يرقى الى الصديق ولا ينحدر الى العدو، هذا التصنيف شكل
نواة لبدء التفاوض النووى فى العام 2003 وأمّن إستمرارية العملية التفاوضية بأطوارها المختلفة، صعوداً
وهبوطاً، قرباً وبعداً، تصعيداً وتحفيزاً.
واليوم تقف أوروبا مجدداً على محك إستمرار الإتفاق النووى، كضامن أخير لبقاء أجهزة التنفس الإصطناعية
على الميت السريرى، وتدفعها إيران من قلق لآخر.
حددت طهران مصادر القلق الأوروبية والأمريكية فى سياستها، بحسب تقييمها، القلق الأول فى أوروبا مسألة
المهاجرين لذلك أرادت أن تضغط من خلالها، وفى مناسبات عديدة سابقاً ظهرت هذه القضية فى خطابات روحانى ووزير الداخلية عبد الرضا رحمانى فضلى، وقبل عام تقريباً كانت موجة المهاجرين الإيرانيين التى عبرت عبر صربيا الى دول الإتحاد الأوروبى بمثابة جرس إنذار لا سيما مع مغادرة أكثر من 21 ألف إيرانى لبلادهم بهدف اللجوء فى الاتحاد الأوروبى وتركيا والولايات المتحدة خلال العالم 2018.
في خطابه الذى أعلن فيه الإجراءات الإيرانية رفع روحانى عنواناً آخر فى خطابه، بدأ رسالة واضحة بإتجاه أوروبا، فقد ذكّر بدور بلاده فى إحتضان ملايين المهاجرين الذين كان من الممكن أن يتجهوا نحو اوروبا، فضلاً عن جهودها فى مكافحة المخدرات حيث قدمت فى هذا السبيل على حد تعبيره آلاف الجنود كى لا تعبر المخدرات الحدود نحو اوروبا.
إختتم روحانى رسالته بالقول للأوروبيين “إنكم تعلمون أن هذه الاجراءات بحاجة الى مليارات الدولارات لا يمكننا تغطيتها فى ضوء الظروف التى إختلقتها أميركا.”
وإذا كان مصدر القلق الأوروبى مسألة اللآجئين فإن مصدر القلق الأميركى بحسب التقييم الإيرانى يبقى مرتبطاً بأمن المصالح الأميركية فى المنطقة وأمن الممرات التى يُنقل عبرها النفط، ولأن إيران تبحث عن صناعة أرضية لـ “توازن قلق” يتطور تدريجياً الى “توازن أذى”، فورقتها الأقوى تبقى حضورها الإقليمى عينه الذى تريد واشنطن أن تحدّ منه.
ولعل زيارة وزير الخارجية الأميركى مايك بومبيو غير المعلنة لبغداد، والتى قصدها من فنلندا ملغياً زيارة الى المانيا، هذه الزيارة عكست مستوى القلق الأميركى من أى تحرك مباشر أو بالواسطة من قبل طهران ضد مصالحها، سبق ذلك إعلان تحريك قطع عسكرية الى المياه الخليجية وتعزيزها بقاذفات من طراز ” بى 52″ لمجرد ورود معلومات وصفتها واشنطن بالموثقة عن تحركات إيرانية تهدف لضرب مصالحها أو مصالح حلفائها.
وبحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية فإن جهاز الموساد هو الذى حذّر الولايات المتحدة من هجوم سيستهدفها أو يستهدف أحد حلفائها فى الخليج، لكن القلق الذى تسبب به التحذير يدعو للتوقف ملياً والتأكد من المصدر الذى سرّب معلومة كهذه فى الأصل الى الموساد.
وكان المثير للإهتمام ترافق التحركات الأمريكية مع تصريحات إيرانية سابقة ولاحقة تستبعد الحرب، ولا سيما من اللواء قاسم سليمانى قائد قوة القدس فى الحرس الثورى الإيرانى الذى نشر على حساباته على وسائل التواصل الإجتماعى تسجيلات يؤكد فيها أن واشنطن لا تريد خوض حرب مع إيران وأن الإستخبارات الأمريكية حذرت الرئيس دونالد ترامب مراراً من هذا الأمر.
كلام سليمانى شكّل رجع صدى لتصريحات سابقة لوزير الخارجية ظريف من نيويورك والتى تحدث فيها عن قناعته بأن ترامب لا يريد الحرب عارضاً طاولة مفاوضات لبحث قضية تبادل للسجناء.
وبين طبول الحرب وطاولة المفاوضات وما يمكن وصفه بعض الأصابع، تبدو صورة الشرق الأوسط عصية على التوقعات بل إن الخطوط الثلاثة قد تكون متداخلة بشكل كبير.  اللواء رضايعقوب كيف تصنع إيران أدوات مواجهتها مع الولايات المتحدة؟
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى