القائد خالد بن الوليد ( الجزء الرابع )
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
كان لخالد بن الوليد رضى الله عنه، فضله على أهل العراق، وله فضله على أهل الشام، وكما أن له فضله على بلاد العرب بجهوده في فتوحها بالقضاء على مدعي النبوة، والتاريخ الإسلامي مليء بالأخبار عن خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأمثالِه من أبطال العرب المسلمين، وأنه من الواضح أن خالدا تمتع بقوة جسدية مميزة، كما عرف عن خالد صفات أخلاقية حميدة، مع حنكة وحسن قيادة اشتهر بها منذ شبابه وقبل الإسلام.
وقد ولد خالد بن الوليد رضى الله عنه، في مكة المكرمة بين ستة إخوة، وأرسل كسائر إخوته إلى الصحراء ليعيش مع مرضعته ويعتاد على جو الصحراء الصعب الذي يشد من عوده ويقوي عضله، وعندما بلغ الخامسة من العمر عاد ليعيش مع والديه في مكة، حيث تعلم فيها الفروسية وركوب الخيل في سن مبكرة، وتميّز عن أقرانه بفطنته وحسن تدبيره وسرعة بديهته وذكائه.
وكان والده هو الوليد بن المغيرة، وكان من كبار رجالات قريش في زمن البعثة، وكان له عدد من الأولاد والأحفاد ممن لهم مكانة خاصة بين قريش، وأكسبه مركزا قياديا بماله وولده، كان له دور في إعادة بناء الكعبة قبل البعثة ، ويقال للوليد بن المغيره ، ريحانة قريش، ويدعى بينهم بالوحيد.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان الوليد يقول: أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لي في العرب نظير، ولا لأبي المغيرة نظير ، وكان له عدد كبير من الأولاد، قيل كانوا عشرة، وقيل اثنا عشر، سبعة وُلدوا بمكة وبالطائف، وقيل كانوا ثلاثة عشر ولدا، ومن المعروف منهم سبعة رجال، وقد أسلم منهم في أوقات متفرقة ثلاثة، وهم خالد، وهشام، والوليد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت أم خالد هى عصماء بنت الحارث بن حزن الهلالية رضي الله عنها، ويقال لها: لبابة الكبرى، وهي أخت لميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها وأخت لأم الفضل بن العباس زوجة العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه وأم أبنائه، وقد أسلمت وحسن إسلامها، وانتقلت إلى المدينة واستقرت بها.
ورغم رحيل خالد إلى العراق ثم الشام واستقراره بها، إلا أنها بقيتْ في المدينة، وكان خالد يتردد عليها في المدينة من وقت لآخر، وحينما بلغ أم خالد وفاته وهي في المدينة أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، بكته ورثته بأبيات من الشعر، فسمعها عمر بن الخطاب وأثنى على خالد وصبرها، وقال: هل قامت النساء عن مثل خالد؟ وكانت نساء بني المغيرة يجتمعن عند أم خالد في بيته في المدينة.
ولقد كانت لخالد بن الوليد مكانة كبيرة في قومه قبل إسلامه أيضا لأن قريش كانت توزع الوظائف فكان الوليد بن المغيرة والد خالد له وظيفة تسمى القبة وهي خيمة تضرب ويجمع فيها كل ما يجهز الجيش من زاد وعتاد، فتولاها خالد وراثة عن أبيه، فكان أن تمرس وبرع في فنون الحرب وأساليبها فكان هو القائد العبقري الذي بهر العالم بخططه العسكرية البارعة، وقد كان إسلامه بعد أن حارب يوم أُحد ضد المسلمين وألحق بهم هزيمة .
وكان خالد بن الوليد طويل القامة وضخم الجسم وعريض الأكتاف أبيض اللون ذو لحية كثيفة، وكان يشبه بشكله عمر بن الخطاب رضى الله عنه كثيرا حيث كان ضعاف النظر لا يفرقون بينهما،، وأصيب خلال صغره بمرض الجدري الذي خلف بعض الآثار على خده الأيسر.
وإنه كثيرا ما كان يخلو إلى نفسه فيتفكر في الدين ولما أسلم شقيقه سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد وأنه يأمل في إسلامه، فأرسل إلى شقيقه رسالة يحثه على دين الحق فكان أن فتح الله عليه بالإيمان والإسلام، وقد أسلم هو وعمرو بن العاص حين لقيه عمرو فقال له:إني ذاهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه والله لنبي وإن الدين الذي بُعث به هو الحق فهيا معي يا خالد لنسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له خالد: إنني ما قدمت إلا لأسلم أنا أيضا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما كان منه من صد عن سبيلك قبل إسلامه” ولم يرد الكثير في كتب التاريخ عنه قبل إسلامه، ومن المعروف أنه لم يخض معركة بدر مع المشركين ضد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
على العكس من أخيه الوليد بن الوليد الذي تعرض للأسر في هذه المعركة وقام خالد بن الوليد بالتوجه إلى يثرب لفدية أخاه، وبعد عودتهما إلى مكة بفترة قصيرة هرب الوليد إلى يثرب معلنا إسلامه، وبعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ارتد معظم العرب ومنعوا الزكاة وقام بعض الناس بادعاء النبوة .
مثل طليحة الأسدي ومسيلمة الكذاب وسجاح التميمية والأسود العنسي، وخرج خالد بن الوليد لمحاربة مسيلمة الكذاب وطليحة ففر طليحة فعاد بني أسد إلى الإسلام وقتل مسيلمة الكذاب وانهزم بنو حنيفة هزيمة عنيفة وقد كان جيش المسلمين ثلاثة عشر ألف مسلم بينما كان رجال مسيلمة حوالي أربعين ألف مقاتل .
وقد كان خالد على مقدمة جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وجرح وعاده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وبعد ذلك أرسله الرسول في أثناء غزوة تبوك، إلى الأكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل في مهمة إتمام مد نفوذ المسلمين إلى الأطراف الشمالية للجزيرة فأسره وأحضره عند الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي صالحه على الجزية ورده إلى بلده.
وفي سنة عشر للهجرة بعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خالدا إلى بني الحارث بن كعب بنجران ليدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا وعاد خالد مع وفدهم القادم إلى المدينة للمبايعة فأطلت فتنة الردة برأسها منذ شاع خبر مرض الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، واستشرت بعد تولي الخليفة أبي بكر الصديق الخلافة.
وكانت الردة تمردا قامت به بعض القبائل العربية التي لم يتجذر الإسلام فيها على سلطة المدينة للتخلص من الزكاة والتحلل من الفروض الإسلامية أو تأثرا بالتحريض الخارجي، وقد تصدى أبو بكر للردة بعزم وتصميم، وعبأ القوات لقتال المرتدين، واستعمل خالد بن الوليد على قتالهم، فأبلى خالد فيه بلاءا عظيما، وأخضع قبائل عدة عاصية.
وأن خالد بن الوليد، أنجز إنجازه الكبير عندما قضى على ردّة بني حنيفة في اليمامة وعلى زعيمهم القوي مسيلمة الكذاب، وكان وأد هذه الفتنة إيذانا بالقضاء على حركات الردة نهائيا واستتباب سلطة المدينة على الجزيرة العربية ، وقام خالد بن الوليد بدور جليل في تدمير امبراطورية فارس الكبرى وتدمير جيوشها وخاض بجيشه من خيرة الصحابة وعددهم ما يقرب من ثمانية عشر ألف مقاتل مسلم حق معارك طاحنه مع جيوش الفرس.
ومنها معركة كاظمة والابله والمزار واليس والولجه والأنبار وعين التمر وقد ظهر من عبقرية خالد العسكرية الكثير في هذه المعارك الكبيرة واستخدم من اساليب القتال وتكتيكات فن الحرب الكثير ونفذ استراتيجيات وخطط عسكرية عظيمة جدا تدرس حتى الان في الكليات والمعاهد العسكرية.
وقد تحرك خالد بن الوليد وقطع صحراء السماوة ومعه دليله رافع وجيشه جيش الزحف ووصل في وقت قليل لنجدة المسلمين في بلاد الشام وشارك في معارك طاحنه حاسمة في بلاد الشام منها معركة فتح دمشق واجنادين وفحل ومعركة السوق واليرموك الكبرى واظهر نبوغ في التخطيط عسكري وشجاعه واقدام منقطع النظير.
