غير مصنف

تأملات فى آية

كتب / حسام حسن الصغير

يقول الحق تعالى فى محكم التنزيل :
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى
الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ
(22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ
(25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ
كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا
أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ
(33)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(35(
هذه الآيات بها الكثير والكثير من الإقرار بشمول علم الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيئ يفعله
الإنسان محفوظ إلى يوم البعث.فيقول تعالى “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ” أى
أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان، ولا شريك معه فى خلقه ، ولأنه الخالق المتفرد بخلقه
فهو أعلم به وهذا إعجاز لا يضاهيه إعجاز، فكم منا سواء صانع أو معلم أو غيره من خلق الله، كثيراً
ماتمر عليه أشياء يساهم فى صنعها أو فى تشكيلها؟ وبعد أن يفرغ منها لايدرى عنها شيئاً ولايعلم
ماصارت إليه، فالنجار مثلاً يقوم بصنع الأثاث وبعد أن ينتهى منه لايدرى إلى أين وصل؟ هل هو
موجود فى بيت أحد المشاهير أو أحد الفقراء أو صار حطباً يستدفئ به؟، ولكن الله الذى خلق كل
شيء يعلم كل هذا، ويقول للإنسان إننى أقرب إليك من الوريد الذى يجرى فيه دمك الذى يهبك
الحياة، بل وأكثر من ذلك أعلم ما تفكر به ولا ينطقه لسانك، وجعلت لك ملكين يكتبان كل ما تفعله
وهذا ليس عجزَ منى _ بل لتكون شاهداً على نفسك وقت الحساب، لئلا تقول يارب لم أفعل هذا، فيوم القيامة أخرج لك صحيفة أعمالك مكتوب فيها بالزمان والمكان مافعلته .
وعندما تحين لحظة وفاة الإنسان، هنا فقط يتذكر الإنسان ويتأكد أن كل ماقيل له عن الموت وعدم
الخلود حق ولامفر أو مهرب من الموت،ويكشف الله للإنسان فى هذه اللحظة كل ماكان خافياً
عنه،ولا يستطيع أن يطرف بعينيه لعجزه عن فعل هذا من شدة هول مايرى، ويكون بصره فى غاية
الحدة، وفى هذه اللحظة يكون كل أحباب الإنسان الأحياء بجواره، ولايعتقدون أنها لحظات الإحتضار
ويذهب البعض لإحضار طبيب كى يعالج وجعه، ولكن هيهات هيهات مايفعلونه، فإنها اللحظة التى
لارجوع بعدها ولا يفيد فيها أى علاج، وفى تلك اللحظة لحظة الموت والاحتضار يرى الكافر مقعده
من النار، وعندما يحين يوم القيامة وعند البعث تأتى لحظة الاختصام بين الإنسان الكافر وقرينه من
الجن عندما يأمر الله ملائكته بإلقاء الكافرين فى نار جهنم، تلك اللحظة التى أخبرنا بها الله سبحانه
وتعالى وهى لحظة الحق وكل ما أخبرنا به الله حق حيث يحاول كل واحد منهما أن يقدم الحجة،
ويلقى باللوم على الآخر فيقول كل واحد منهما يارب هذا هو من كان السبب فى أن ألقى مصيرى
فى النار، ويقول الآخر بل هو يارب الذى كان شديد الكفر، وكان يمتنع عن الخير ويأتى الشر والكفر
والضلال وكان يصم أذنيه عن الوعيد وعن الذكر، فهنا يقول لهما الحق سبحانه وتعالى لا تختصموا
عندى، فإنى حكمت وحكمى عدل أن كلاكما فى النارخالدين فيها أبداً، جزاءاً بما كفرتم بما أرسلته
إليكم على لسان رسلى من الوعيد والتذكرة بهذا اليوم ، ولكنكم كفرتم واستهزأتم بما قدمت إليك
م ، وجزاءاً لما فعلته أيديكم، فأنتم الذين جعلتم لأنفسكم هذا المصير ولم أجعله أنا لكم، ولست فى
حاجة لإختصامكم أمامى فكل شيئ مكتوب فى صحيفة أعمالكم ولقد أقررتم بأن كل صغيرة وكبيرة
مكتوبة فيها فعتلموها ولا يوجد فيها شيئ لم تفعلوه أوتقولوه، فمهما فعلتم أو قلتم فليس بعد
إقراركم بأفعالكم شيئ، والقول عندى لارجعة فيه ولانقض ولا إعادة محاكمة كما كنتم تفعلون فى
الدنيا ولايجدى قولكم نفعاً بالكذب أنكم لم تفعلوه بإختياركم فى أن أبدل حكمى ولست بظالم لكم،
ولكن أنتم الذين ظلمتم أنفسكم بكفركم بآياتى ورسلى ووعيدى ووعدى لكم، وهنا تبرز جهنم
للكافرين وتكون على مقربة منهم فى إنتظار أمر الله لملائكته بأن يلقوا هؤلاء الكافرين فيها فيقفوا
 
مروعين، مرعوبين، ويسأل الله تعالى وهو العالم بكل شيئ جهنم هل إمتلأت؟ فتقول: يارب هل من
مزيد؟ .وعلى النقيض من هذا عند الحساب يقف المؤمن المصدق بالله بين يدي ربه غير قلق
ولامروع، وكله ثقة فى عدل الله ويرى الجنة غير بعيد فتسر نفسه، ويطمئن لأنه عند موته رأى
بعينيه مكانه فى الجنة، وهو واثق فى وعد ربه الحق، وتلك الجنة التى أعدها الله لكل من خشية
فى كل حركاته وفى كل سكناته وهو لم يره، وكان عندما يخطئ أو يذنب يستغفر ربه، ويرجع إليه
بقلب تائب حافظ لفضل وكرم الله عليه، ويقول الله لعباده المؤمنين ادخلوا الجنة بسلام .
وهنا نرى الفرق بين موقف الكافر والمؤمن، فالكافر ينتزع من مكانه ويلقى بكل عنف فى النار وهو
لايريد أن يذهب، بينما المؤمن يقول له المولى: أدخل الجنة وهذه فيها رحمة وأمن وأمان وطمأنينة
، وفيها أيضاً بشرى بأن هذه الجنة لاموت فيها ولا تعب ولاعذاب، ولكل المؤمنين فيها مايشتهون من
قبل أن يقولونه بلسانهم، ولا يوجد فيها مافى الحياة الدنيا من هضم واخراج وخلافه من تلك
العمليات الحيوية التى يقوم بها الإنسان فى حياته، وأكثر من هذا أعده الله للمؤمنين حيث يناديهم
المولى عزوجل: أن ياعبادى أرضيتم؟ فيقولون: ومالنا يارب ألا نرضى؟ فيقول: هل لكم من مزيد؟
فيقولون: بلى يارب فيقول: اليوم أحل عليكم رضائى فلا أسخط عليكم أبداً فهل ترضون؟ فيقولون :يارب رضينا برضائك علينا فيقول : هل لكم من مزيد ؟ فيقولون: بلى فيقول المولى عزوجل: اليوم
أريكم وجهى وأطلع عليكم وتروننى كرؤيا بعضكم لبعض فيطلع عليهم سبحانه وتعالى فلا يجدون
لذة أشد ولا أكثر من لذة النظر إلى وجهه وهذا ما أعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين المصدقين به وبرسله ورسالاته .
“رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ “
 
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى