مقالات وتقارير

التجارة ما بين الحلال والحرام

التجارة ما بين الحلال والحرام

كتب/ محمد الدكروري

إن الذي يتاجر في الغالب متوكل على الله تعالى، فهو لا يضمن ربحاً معيناً أو خسارة، بخلاف الذي يعمل بأجر يومي أو شهري، والله سبحانه وتعالى يقول ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ …
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً -جياعاً- وتروح بطاناً( أي: شباعاً)) رواه أحمد والترمذي..
فالله تعالى تكفّل بحفظه ورزقه للمتوكل، والواقع المعاش خير شاهد، فإن أصحاب رؤوس الأموال وهم التجار الكبار ما بلغوا ذلك إلا مروراً بالتجارة الصغيرة (البيع والشراء) حتى صاروا تجّاراً كباراً.
فهذا الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْيَمْ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا سُقْتَ فِيهَا؛ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
واستطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن كان صداقه ربع دينار، وتصدق بأربعين ألف دينار وترك تركة تعادل مائتا ألف وثلاثة ملايين دينار، وهو الذي دخل المدينة معدما فقيرا، ولكنه كان سببا في الإنعاش الاقتصادي في المدينة،فكل هذا من أثر توكله على الله تعالى.
العلم بأصول التجارة والعلم بالضوابط الشرعية للتجارة وإن ما يحتاجه المرء في الحال ويلزمه هو: تعلم أحكامه الشرعية احترازاً من الوقوع في المخالفات وشأن طالب التجارة كطالب الحج لزوماً يفترض عليه تعلم ما يُؤدى به الحج.
ولا بد لطالب التجارة أو أي حرفة حياتية من قدر من الضوابط ليتميز عنده المباح من المحظور وموضع الأشكال من المسألة التجارية وليس من الصحة الانتظار حتى يقع فيها لأن يسأل عنها فكان لزامًا أن يفهم الأصول والضوابط الشرعية لتجارته وفي هذا فقد ذكر أنّ أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه كان يطوف في السوق ويقول” (لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى ) بأن يتعرف على المحاذير الواضحة فيبتعد عنها وعن المحاذير المشبوهة فيتوقاها فيكون بذلك التاجر الصادق الذي له الإحسان في الدنيا والإحسان في الآخرة.
وعدم الإفراط في التجارة وكسب الأرباح والاشتغال بذلك عن ذكر الله وعن الواجبات نحو الدين والأمة وأن لا تشغله تجارته عن واجباته نحو ربه عز وجل،كأن تشغله عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الزكاة، وعن الحج، وعن بر الوالدين، وعن صلة الأرحام، وعن الإحسان إلى الناس، فهذه صفة التاجر الصدوق الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه (التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي..
أن مَثَل هؤلاء مَثَل من وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾..
فالصحابة الكرامة كانوا أتجر الناس مثل سيدنا أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير ابن العوام رضي الله عنهم جميعا، ومع ذلك لم تشغلهم تجارتهم عن واجبهم تجاه ربهم جل وعلا ويحذرنا الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى من الانشغال بالدنيا عن الواجب نحو الله تعالى فقال:-
“من شغلته أمواله عن الصلاة حشر مع صاحب المال مع قارون، و من شغله ملكه عن الصلاة حشر مع فرعون، ومن شغلته وزارته عن الصلاة حشر مع هامان، ومن شغلته تجارته عن الصلاة حشر مع أمية ابن خلف في الدرك الأسفل من النار.
والمسلم أن يتاجر في المباح ولا يتاجر فيما يحرم شرعاً: كالخمر أو ما فيه ضرر كالمخدرات، والتدخين ونحوه؛ لا يصح للتاجر المسلم أن يتاجر بشيء من ذلك، حتى ولو باعها لغير مسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) رواه مالك
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها فكل من شارك فيها بجهد ما فهو ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قربة مملوءة خمرًا ليهديها إلى النبي، فقال له عليه الصلاة والسلام: ( إن الله قد حرم الخمر )، قال له: إذن أبيعها قال: ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها ) قال: إذن أكارم بها اليهود – أي يهديها لهم مجاملة فقال: ( إن الذي حرم بيعها وشربها حرم أن تكرم بها اليهود ) قال: فماذا أصنع بها؟ قال: ( اذهب فشنها على البطحاء ) أي صبها وأهرق ما فيها على الطريق.
ومن هنا نعلم بأن صناعة الخمر، واستيرادها، وتصديرها، والتجارة فيها، وكل ما يتعلق بها فهو حرام، بل أكثر من ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حبس العنب أيام القطاف ليبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرًا فقد تقحم النار على بصيرة) رواه الطبراني
وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، فمن غشنا فليس منَّا) رواه مسلم .
التجارة ما بين الحلال والحرام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى